القائمة الرئيسية

الصفحات

تطور عقد التأمين لدى المجتمعات القديمة والمجتمعات الاسلامية

تطور عقد التأمين لدى المجتمعات القديمة والمجتمعات الاسلامية


تطور عقد التأمين لدى المجتمعات القديمة والمجتمعات الاسلامية
تطور عقد التأمين لدى المجتمعات القديمة والمجتمعات الاسلامية

يعرف انتشار وتوسع عقد التامين الذي كسح ميادين ومجالات متعددة في الوقت الراهن دليلا على الأهمية التي يحظى بها إلى جانب العقود الأخرى، بحيث إن دوره في تخفيف عبء المخاطر المادية والشخصية، وخلق الطمأنينة في نفوس المتعاقدين هو الحافز الأكبر من تشجيع ظاهرة التأمين. ولمعرفة تطور هذا العقد كان لابد من دراسة بعض النماذج من التعريفات التي ميزت عقد التأمين على باقي العقود الأخرى، والتي من خلالها ستتضـ مجموعة من الخصائص والمميزات التي تعطي لعقد التأمين ميزة مهمة قد تختلف على العقود التأمينية ذاتها .

تعرض الإنسان منذ القدم لمجموعة من المخاطر التي قد أصابته في شخصه أو في ممتلكاته أو في مسؤوليته المدنية، الأمر الدافع به إلى البحث عن وسائل تعمل على درء هذه المخاطر أو التخفيف من عبئها، وكان التأمين بشكله البدائي الذي عملت به المجتمعات الإنسانية وفي مراحل متعددة الوسيلة الأكثر نفعا، لأنه هو الأداة الأكثر تقربا من تحسين هذا الإنسان على وجود أمان سواء على شخصه أو أمواله أو مسؤوليته، ولذلك كانت البوادر الأولى التي عمل فيها الإنسان على ممارسة التأمين التبادلي أو التعاوني الذي يعتبر النواة الأولى للتأمينات الحالية التي طغى عليها الطابع الربحي أكثر الطابع التعاوني الذي هو أساس وجود عقد التأمين.

شرح عقد التأمين لدى المجتمعات القديمة


شهدت المجتمعات القديمة نماذج متعددة بدائية بسيطة غير ما يشهده العصر الحديث المتمثل في التكافل الذي طغى على التأمينات السائدة في تلك الفترة، فقد كانت الجمعيات دفن الموتى التي ابتدعها قدماء المصريين نموذجا في التكافل لتحمل نفقات التحنيط والدفن نظير اشتراكات يدفعها العضو أثناء حياته بحيث إن الذي دعاهم إلى اعتقادهم في حياة أخرى بشرط الاحتفاظ بأجسادهم سليمة بعد موتهم كما كانت من قبل حتى يتسنى للروح أن تعود إلى الجسد عند القيامة وقد استدعي اعتقادهم هذا إنفاق مصاريف باهظة عندما كانت تحدث الوفاة وقبلها بغرض تحنيط وبناء القبور المستحكمة فأنشئت جمعيات تقوم بهذه المراسيم للأعضاء الذين يعجز ذووهم عن الإنفاق عليهم بعد موتهم وذلك نظير قيام الأعضاء بدفع اشتراك سنوي للجمعية أثناء حياتهم في مقابل ضمان المصروفات اللازمة التحنيط عند الوفاة.

فمن خلال هذا النموذج يتضح أن التعاقد الحاصل بين الشخص العضو وجماعة دفن الموتى، يؤدي إلى دفع العضو قسطا في صورة اشتراك سنوي أو في كل موسم زراعي للجمعية مقابل أن تقوم هذه الأخيرة بتسديد نفقات عملية التحنيط بقصد حفظ الجسم للحياة الأخرى، وهذا ما يعد نظاما تأمينيا فنيا موضوعه مصاريف الحياة الأخرى بدل الحياة الأولى. كما عرفت المجتمعات البابلية والفينيقية والهنود والرومان والإغريق عقد القرض البحري، ولكنه لم يرق إلى مستوى التأمين البحري إلا بعد أن عرفت المجتمعات أصنافا من الضمان من الأضرار الناجمة عن الأخطار البحرية فما هو إذن عقد القرض على السفينة؟

عقد القرض على السفينة

 
هو عبارة عن رهن يقع على السفينة ذاتها ضمانا لمال يؤدى لها على سبيل القرض خلال رحلتها، فإذا هلكت السفينة فقد المقرض المبلغ الذي دفعه، وإذا وصلت السفينة سالمة إلى ميناء الوصول فإن السفينة لا تكون مسؤولة عن أداء مبلغ القرض فقط، ولكن تسأل أيضا فائدة محددة متفق عليها .

إن عقد القرض على السفينة يتشابه مع عقد التأمين فيما يلي:
إن المقرض يلعب دور المؤمن له.
والمبلغ الذي يدفعه هو عوض التأمين.
أما الفائدة التي يدفعها المقترض فهي تمثل قسط التأمين.

أما الاختلاف الوارد بينه وبين عقد التأمين فيتمثل في: دفع قسط التأمين في عقد التأمين سواء تحقق الخطر أو لم يتحقق، ولكن لا تدفع الفائدة في عقد القرض عند عدم تحقق الخطر.

أن عوض التأمين في عقد التأمين لا يدفع إلا عند تحقق الخطر، أما في عقد القرض البحري فإن المبلغ يدفع قبل ذلك وإن كان المقترض يرده إلى المقرض عند تخلف الخطر بالإضافة إلى الفائدة المتفق عليها .

فمن خلال التعامل الإسلامي مع هذه الأنواع من العقود البحرية يرى فيها الجانب الإسلامي وجود معنى المقامرة والرهان بشكل جلي، لأن المقامرة والرهان عقد يتعهد فيه كل من المتعاقدين المقامرين (والمتراهنين أن يدفع للآخر مبلغا من النقود أو أي عوض مالي آخر يتفق عليه، ففي حالة وقوع حادثة معينة غير محققة، فالمقرض في عقد القرض على السفينة يراهن على وصول السفينة سالمة، وهذا الوصول أمر غير محقق، فإذا تحقق كسب الرهان المتمثل في مبلغ الفائدة مضافا إليه أصل مبلغ القرض.

شرح عقد التأمين لدى المجتمعات الإسلامية 

 
تعد الشريعة الإسلامية غنية بما تقتضيها ضوابط الحياة الإنسانية وضبط الأمور الدنيوية، كخدمة للفرد ليفوز مرتين في الدنيا والآخرة. وحيث إن التأمين من الأمور الدنيوية التي تجعل للفرد آمنا من المخاطر والمهالك والضائقات والحاجات. وحيث إن المجتمعات الإسلامية شهدت أنماطا معينة التأمينات التي طغى عليها عنصرا التكافل والتعاون، فالشريعة حاضرة من من أجل تخفيف تلك المجتمعات من المخاطر.

واستنادا لما نادت به الشريعة الإسلامية من أمور الأمن والأمان التي ذكرت في مواطن عديدة وأصرت عليها الشريعة مثلما جاء في قوله تعالى: وضرب الله مثلا قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغدا من كل مكان فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون)، وكذلك قوله تعالى: (وإذا قال إبراهيم رب اجعل هذا بلدا آمنا. وقوله تعالى: الإيلاف قريش إيلافهم رحلة الشتاء والصيف فليعبدوا رب البيت الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف، وقوله تعالى: وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونني ولا يشركون بي شيئا ومن كفر بعد ذلك فأولئك هم بل البقا هذا الفاسقون.
 
إن الأمن من نعم الله التي أنعمها على عباده، ومن أسمائه الحسنى، وقد وعد الله تعالى المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن يستخلفهم في الأرض ويمكن لهم دينهم، وأن يبدلهم من بعد خوفهم أمنا. ذلك لأن حياة الناس في الجاهلية يأكلها الخوف من كل جانب فإذا استجابوا الله ولرسوله وأقاموا مجتمعهم وفق شريعته لأحاط بهم الاطمئنان والأمان من كل جانب.

ومن أجل درء المخاطر عن الأمة كانت الدعوى صريحة في الشريعة الإسلامية إلى إقرار مبادئ التعاون والتكافل الاجتماعيين في كل مجالات الحياة الإنسانية الهدف منها تعاون على البر والتقوى، ومن الأمثلة الدالة على إقرار التعاون ما جاء في قوله تعالى: (وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان واتقوا الله إن الله شديد العقاب، وقوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا إذا تناجيتم فلا تتناجوا بالإثم والعدوان ومعصية الرسول وتناجوا بالبر واتقوا الله الذي إليه تحشرون). 
 
يعد الخطاب في مثل هذه الآيات مطلقا موجها إلى أفراد المسلمين وجماعتهم والبر هنا يتناول كل ما فيه الخير ومساعدة الغير، بحيث إن الأمر بالتعاون النامي المراد منه إيجاب التضامن والتكافل والمشاركة في القيام بالواجب المأمور به إيجابا وسلبا من أجل تقوية البنيان الاجتماعي ودعائمه فالتكافل الإسلامي الصريح من الدعوى الإسلامية يتجسد كذلك في المحافظة على دفع الأضرار عن مجتمعاتهم وإقامة الأسس السليمة للمجتمع، عملا بما جاء به قوله صلى اله عليه وسلم: 
 
"مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد إذا اشتكى عضو منه تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى" استنادا إلى المبادئ التي أعلنت عليها الشريعة الإسلامية، فإن المجتمعات الإسلامية جسدتها في التعاملات التي كانت تسودها انطلاقا من توظيف هذه المبادئ كان في بداية العهد الإسلامي حيث استقرت المآزرة بين القبائل المتطاحنة وأصبحت الهدنة والتآخي وكذلك بين القبائل في نصرة الفقراء من إعانات الأغنياء. فالتعاون كان على أساس المودة والمواصلة التي تدخل بالأساس فيما يطالب من تعاون أهل كل قرية فيما بينهم في سداد الخراج وغيره.

تعليقات