القائمة الرئيسية

الصفحات

الموازنة والترجيح في عقد التأمين والبديل الذي يجب أن يكون

الموازنة والترجيح في عقد التأمين والبديل الذي يجب أن يكون
الموازنة والترجيح في عقد التأمين والبديل الذي يجب أن يكون

الموازنة والترجيح في عقد التأمين والبديل الذي يجب أن يكون



الموازنة والترجيح في عقد التأمين


مما ذكرناه قبل قليل أنه لابد بعد الموازنة من الترجيح حتى لا يعيش المسلم الملتزم لأحكام الشريعة، والوقاف عند حدودها في دوامة من الحيرة والتردد بين من يقول في جواز التأمين وبين من يقول في تحريمه بل لابد أن يكشف له عن وجه الحق حتى يأخذ به مؤمنا مقتنعا مطبقا.. دون أن يعتريه في التزامه والعمل به أي التباس أو تشكيك... الذي يبدو من ظواهر الأدلة التي احتج بها ... الفريقان أن أدلة من ذهبوا إلى تحريم عقود التأمين هي أقوى استنباطا وأتم دلالة، وأمتن احتجاجا وأرسخ ارتباطا بنصوص الشريعة وقواعدها العامة ... وذلك للأمور التالية:

-1 المجوزون للتأمين اعتمدوا في أدلتهم على استنادات قياسية استنبطوها من استنتاج الفقهاء والمجتهدين بينما الذين قالوا في حرمة التأمين استندوا على نصوص شرعية وقواعد أساسية أجمع المجتهدون على الأخذ بها والعمل على مقتضاها. والفرق واضح بين أدلة القياس والاستنتاج، وبين أدلة النصوص والقواعد.

-2 المجوزون للتأمين اعتمدوا على تعليلات وتأويلات في الجواز أقل ما يقال فيها أن فيها معنى المقامرة، ومعنى الغرر، ومعنى الرهان المحرم ومعنى التعامل في الربا.. بينما الذين قالوا في الحرمة اعتمدوا على نصوص شرعية تنص بشكل قاطع واضح على أن عقود التأمين تدخل في مضمون النصوص التي تحرم القمار، وتحرم الغرر وتحرم الرهان وتحرم الربا.. وفرق كبير بين الأخذ بالتأويل الذي تحوم حوله شبهة الحرام، وبين الأخذ بالنص القاطع الجازم الذي لا يقبل الجدل ولا التأويل. 
 
-3 المجوزون للتأمين اعتمدوا في الجواز على مبادئ تعاونية تكافلية وضع أصولها الإسلام لتحقيق المجتمع المتكافل كعقد الموالاة، ونظام العواقل، ونظام التقاعد والمعاش.. وهي في مضمونها ومفهومها لا تنهض أن تكون حجة على جواز التأمين لأنها تعتمد على التبرع، والدافع الذاتي والمساهمة في أوجه الخير.. بينما الذين قالوا في حرمة التأمين ردوا أن تكون لعقود التأمين أية صلة بهذه المبادئ التعاونية التي احتج بها المجوزون لكون عقود التأمين الحالية كما هو الواقع- تقوم على الاستغلال وابتزاز الأموال والمرابحة ،الفاحشة والإثراء بلا سبب.. ودعموا حججهم بأقوال الاقتصاديين من الغربيين الذين انتقدوا التأمين كما سبق بيانه..

-4 من القواعد المقررة في الشريعة الإسلامية: "إذا تعارض المحرم والمبيح رجح المحرم وإذا تعارض المانع والمقتضي قدم المانع". فبناء على هذه القواعد المعتبرة والمجمع عليها لدى علماء الأصول والاجتهاد.. نأخذ بجانب الحرمة لعقود التأمين باعتبار أنه يتعارض مع الجانب المبيح.. عملا بالأحوط علما أنه لا تعارض بين ،والمانعين لأدلة المحرمين ،القاطعة وحججهم البينة الواضحة.
 
-5 المجوزون للتأمين نسوا أو تناسوا أن تحقيق الأمن والسلامة لكل مواطن هو من الخدمات الاجتماعية التي هي من خصوصيات الدولة.. فكيف يجوزون لفرد أو هيئة أو شركة أن تستغل هذه الخدمة الاجتماعية لابتزاز الأموال والربح الذاتي والإثراء بلا سبب..؟ 
 
وإذا كان هناك ثمة تعاون بين الدولة والمجتمع في تحقيق الأمن.. فإنما يكون على سبيل التبرع، والدافع الإيماني، وبغية الأجر والثواب من الله عز وجل.. وأحيانا يكون هذا التعاون من قبل المجتمع على سبيل الوجوب كما إذا علم المسلم أن إنسانا يوشك أن يهلك جوعا أو عطشا .. ثم قصر في مؤازرته حتى هلك، فيعتبر في نظر الشرع كقاتل نفس وعليه الإثم. 
 
أما إذا كان هذا التعاون قائما على المصالح الشخصية والمكاسب المادية، وأكل الأموال بالباطل فيا ضيعة الإيمان والوجدان والرحمة والمروءة في عصور الانتكاس والضلال ومن المعلوم أن فتح باب التأمين على مصراعيه يوصل المجتمعات الإنسانية إلى أخس التصورات وأقبح الأفعال في ابتزاز الأموال، وانتشار الفاحشة والإباحية.. وكم سمعنا عن تأمينات خسيسة هابطة تتنافى مع أبسط مبادئ الفضيلة والأخلاق كتامين جمال العاهرات.. وسيقان الراقصات.. وأصوات المغنين..؟ إلى غير ذلك من هذا المستوى الرخيص، والمنحدر الحقير الاسن.
 

البديل الذي يجب أن يكون في عقد التأمين 


سبق أن ذكرنا أن إقامة العدل في المجتمع، ودفع الظلم عن الناس، وتحقيق الأمن لكل مواطن ، وتأمين الحق لكل إنسان.. هو في الأصل مـ خصوصيات الدولة فلا يجوز لفرد ولا لشركة ولا لهيئة .. أن يستغلوا ذلك لمكاسب مادية ومصالح شخصية .. حيث الربح الفاحش والإثراء بلا سبب .. وإذا كان تحقيق الأمن من خصوصيات الدولة كما سبق بيانه.. . فرأيت لزاما علي أن العرض لموقف الدولة ... الدولة الإسلامية من المواطن الذي يعيش في كنفها، لتعلم ، القارئ - أن الإسلام وضع من المبادئ التكافلية والأنظمة الاجتماعية ما يحقق الكرامة الإنسانية والمستوى المعيشي لكل إنسان ولتعلم أن من الخير لأنفسنا ومجتمعنا أن نأخذ بأصالة هذه المبادئ بدل أن نستجدي الأنظمة من بلاد ليس لها من هم سوى المال واللذة والجنس والتمتع بزهرة الحياة الدنيا والاسترسال وراء الشهوات والإباحية..

وإليكم أهم هذه المبادئ التي وضعها الإسلام
 

تأمين الدولة أسباب العمل للقادرين 

 
لما روى أبو داود والترمذي والبيهقي أن رجلا جاء إلى رسول الله الله يسأل شيئا وهو قوي معافى - فقال له الرسول ل ل ا :: أما في بيتك شيء ؟ قال بلی حلس كساء) (غلیظ نلبس ،بعضه و نبسط بعضه وقعب (وعاء) نشرب فيه الماء، فقال الرسول عليه الصلاة والسلام: ائتني بهما ، فأتاه بهما فأخذهما رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده وقال من يشتري هذين ؟ قال رجل أنا أخذهما ،بدرهم قال من يزيد على الدرهم مرتين أو ثلاثا ؟ قال :رجل أن آخذهما ،بدرهمين فأعطاهما إياه وأخذ الدرهمين فأعطاهما الأنصاري وقال له اشتر بأحدهما طعاما فانبذه إلى أهلك واشتر بالآخر قدوما فائتني به فأتاه فشد فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم عودا بيده ثم قال: اذهب فاحتطب ولا أرينك خمسة عشر يوما ففعل فجاء وقد أصاب عشرة دراهم فاشترى ببعضها ثوبا وببعضها طعاما فقال رسول الله هذا خبير من أن تجيء والمسالة نكتة (علامة) في وجهك يوم القيامة إن المسألة لا تصلح إلا لذي ثلاث لذي فق مدقع (شديد الفقر) أو لذي غرم مفظع (كثير (الدين أو لذي ذم موجع.
 

تأمين الدولة كفالة العاجزين والمحتاجين 

 
لما روى البخاري ومسلم عن رسول الله الله أنه قال: "أن أولى بكل من نفسه من ترك مالا ،فلورثته ومن ترك دينا أو ضياعا أي أولادا صغارا فإلى وعلي".

ويندرج تحت هذا التأمين كفالة الأصناف التالية:

-1 كفالة اليتيم.
-2 كفالة اللقيط.
-3 كفالة أصحاب العاهات.
-4 رعاية الشواذ والمنحرفين.
-5- كفالة المطلقات والأرامل.
-6 كفالة الشيوخ والعجزة. -7 كفالة المنكوبين والمكروبين.
-8 كفالة الفقراء من أصحاب الدخل المحدود.

فهؤلاء جميعا يتكفل بيت المال رعايتهم وكفايتهم حتى ولو كانوا غير الله عنه حين مر مسلمين ماداموا أهل ذمة.. ومما يؤكد هذا أن عمر رضي الله عنه بشيخ كبير يسأل الناس فاسترعى ذلك انتباهه فسأله ما أنت يا شيخ ؟ قال: ذمي وكان يهوديا) يسأل الجزية والصدقة، فقال له عمر ما أنصفناك : أكلنا شبيبتك ثم نضيعك في هرمك ؟ ثم أخذه إلى بيته فأعطاه ما وجده، وأرسل إلى خازن بيت المال يقول: انظر إلى هذا وضرباته (أي أمثاله من بيت المال ما يكفيهم وعيالهم، إنما الصدقات للفقراء فافرض والمساكين، وهذا من مساكين أهل الكتاب.
 

تأمين الدولة الحد الأدنى للمعيشة

 
لما روى الطبراني عن رسول الله أنه قال: "إن الله فرض على أغنياء المسلمين في أموالهم بقدر الذي يسع ،فقراءهم، ولن يجهد الفقراء إذا جاعوا وعروا إلا بما يصنع أغنياؤهم ألا وإن الله يحاسبهم حسابا شديدا، ويعذبهم عذابا أليما".

فنستدل من هذا الحديث أن المفروض من الزكاة من أموال الأغنياء بقدر الذي يحقق كفاية الفقراء والكفاية منوطة بتأمين المسكن الصالح والغذاء الصالح، والكسوة الصالحة.. وإذا قصر الأغنياء في هذا الحق فالله سبحانه يتهددهم بالحساب الشديد والعذاب الأليم في الآخرة.. أما في الدنيا فإن الدولة تعاقبهم وتأخذ الزكاة منهم عن يد وهم صاغرون.. ومن هنا كان فعل عمر بن الخطاب رضي الله عنه في أنه كان يفرض لكل مولود عطاء إلى عطاء أبيه يقدر بمائة درهم" ، وكلما نما الولد زاد العطاء، وقد جرى عليه من بعده عثمان وعلي والخلفاء.

تأمين الدولة أمن الطريق لكل مواطن

 
سبق أن ذكرنا قول عمر رضي الله عنه: "والله لو أن ناقة في أقاصي العراق عثرت لخشيت أن يسأل عنها عمر لماذا لم يعبد لها الطريق". لم فتسوية الطريق وتعبيده وتهيئة المواصلات بين البلدان وتطهير المسالك والدروب من المفسدين وقطاع الطرق.. هو أوجب ما تقوم به الدولة الإسلامية لتحقيق السلام والأمن في البلاد وبين العباد .. فإذا قصرت الدولة في ذلك فإنها محاسبة عنه ومسؤولة، لقوله عليه الصلاة والسلام: "الإمام" راع ومسؤول عن رعيته بل نجد أن الشريعة الإسلامية الغراء قد وضعت أقسى العقوبات في حق أولئك الذين يشكلون خطرا على الأمن ويعيثون في الأرض فسادا ، وينتهكون الحرمات الآمنة... فجزاؤهم أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض.. قال تعالى: إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيدهم وأرجهم من خلاف أو ينفوا من الأرض ذلك لهم خزي في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم). (المائدة: 33).
 

تأمين الدولة كفالة أصحاب الجوائح: 

 
إذا وقعت لإنسان حادثة من اصطدام سيارة، أو غرق سفينة، أو نحو ذلك.. وتسبب من وراء ذلك ضياع المال أو إتلافه أو إغراقه. فعلى الدولة الإسلامية أن تتولى أمره، وتضع عنه دينه، وتعوض له ما خسر وهذا يسمى فنا اليوم بالتأمين على الجوائح ، ولنا في ذلك دليل من السنة يثبت هذا التأمين: روى مسلم في صحيحه وأبو داود والنسائي عن أبي بشر قبيصة بن المخارق رضي صلى الله عليه وسلم الله عنه قال: تحملت حمالة فأتيت رسول الله أسأله فيها ، فقال: أقم حتى تأتينا الصدقة إحدى موارد بيت المال فنأمر لك بها. ثم قال: يا قبيصة إن المسألة لا تحل إلا لأحد ثلاث رجل تحمل حمالة فحلت له المسألة حتى يصيبها ثم يمسك. ورجل أصابته جائحة اجتاحت ،ماله فحلت له المسألة حتى يصيب قواما من عيش.

ورجل أصابته فاقة حتى يقول ثلاثة من ذوي الحجا (العقول من قومه لقد أصابت فلانا فاقة.. فحلت له المسألة حتى يصيب قواما من عيش فما سواهما من المسألة يا قبيصة سحت مال حرام يأكلها صاحبها سحتا".
 

تأمين الدولة التوازن الاقتصادي بين الأفراد 

 
وذلك في توزيع الأعطيات المالية من فيء وغنيمة ونحو ذلك حيث تعطي الدولة المحتاجين، وتغض النظر عن المكفيين الميسورين تحقيقا للتوازن الاقتصادي، والعدل الاجتماعي بين طبقات المجتمع، ولنا في ذلك دليل من فعل النبي صلى الله عليه وسلم: "حينما وضع رسول الله يده على فيء بني النضير قسمه عليه الصلاة والسلام بين المهاجرين خاصة ولم يعط الأنصار منه شيئا إلا ثلاثة نفر هم أبو دجانة وسهل بن حنيف، والحارث بن الصمة باعتبار أنهم فقراء"، وقد تصرف الرسول الله هذا التصرف في توزيع الأعطيات تحقيقا لمبدأ التوازن والعدالة.. لأن المهاجرين أحوج إلى العطاء من غيرهم لتركهم ديارهم وأموالهم في مكة.
 

تأمين الدولة كفالة الأفراد لبعضهم بعضا عند الحاجة


في حال الأزمات والشدائد على الدولة الإسلامية أن تفرض على الميسورين الأغنياء أن يقوموا بدورهم في كفالة المحتاجين الفقراء تحقيقا للعدالة الاجتماعية بين أفراد المجتمع، ولنا في ذلك دليل من فعل النبي : " من جملة الأعمال التي عملها النبي الهلال عقب الهجرة في المدينة أنه آخى بين المهاجرين والأنصار فجعل لكل أنصاري أخا من المهاجرين فكان الأنصاري يذهب بأخيه المهاجر إلى بيته فيعرض عليه أن يقتسم معه كل شيء في بيته".
 
المعلوم أن المهاجرين قوم تركوا في سبيل الله ديارهم وأموالهم فجاؤوا المدينة لا يملكون من حطام الدنيا شيئا، والأنصار قوم أغنياء بزروعهم وأموالهم وتجاراتهم.. فليحمل الأخ أخاه، ولينزله في بيته، وليعطه نصف ماله..

فأية عدالة اجتماعية في الدنيا تعدل هذه الأخوة ؟.
 

إشراف الدولة على مبادئ التكافل التعاوني بين الأفراد

 
فكرة التعاون التكافلي بين العائلة الواحدة أو الحي الواحد، أو المهنة الواحدة ... هي من المبادئ الأساسية التي أمر الإسلام بها وحض عليها ..

فمن مبادئ الإسلام وتعاونوا على البر والتقوى . (المائدة: 2). ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة). (الحشر: 9). "ما" آمن بي من بات شبعان وجاره جائع إلى جنبه وهو يعلم به البزار والطبراني. كان عنده طعام اثنين فليذهب ،بثالث ومن كان عنده طعام أربعة فليذهب بخامس أو سادس. رواه مسلم. 

مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد إذا اشتكى قي عضو منه تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى . رواه مسلم. يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه" رواه الشيخان. من هذه النصوص يتبين أن قيام المؤسسات التعاونية التكافلية في المجتمع هو من قواعد الإسلام الأساسية، ومقاصد التشريع العامة.


تعليقات